بقلم: د. مصطفى حلمي
برغم ان هذا التساؤل هو من الجوانب الفلسفية التي استهلكتها أقلام الفلاسفة من مسلمين (ابن رشد – ابن سيناء – ابن العربي) وغربيين محدثين (جان بول سارتر – ديكارت) وقدماء (ايسخيلوس – سوفوكليس – ارسطو – افلاطون) إلا أن الحيرة الدائمة التي تواجه شبابنا الفض في مراحل تفتحه الذهني ابان المراهقة الفكرية واطوار نموه العقلي من البحث في الأسباب والمسببات لا مراء تستدعي الدعوة الى بث الاتزان النفسي عن رضا، والدعوة إلى الاستقرار الفكري عن قناعة. وقد يرد قائل بأن النص الصريح للآية “وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون” فيه الكفاية، أي بتفسيرهم اننا خلقنا لنبعد الله، وهذا حق، وما علينا سوى عبادته والعمل على مرضاته، وهذا لا جدال فيه، وان الحياة الدنيا بما فيها قد سخرت للتسبيح بحمد الله، وهذا صواب، ولكن هذا الرد اقتصر على علة الخلق بالنسبة للخالق فماذا بشأن المخلوق؟ ان هذه العلة توضح لنا أن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا ليعذبنا او يستخلص الخطيئة الكبرى من نبيه عيسى (كما تقول المسيحية) أو انه أراد لشعبه المختار أن يسود على العالمين فخلق البشر سخرة له (كما يزعم اليهود). إذن لماذا خلقنا؟ من نص الآيات في القرآن الكريم نجد أن أسباب الخلق تراوحت في مفهومها بين الخالق سبحانه وتعالى وهو ما اتضح من الآية “وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون” وبالنسبة للخلق “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا”، أو من وجهة نظر الملائكة، فنجد أن هناك من توقع لنا – عن دراسة بلا شك – اننا سنفسد الأرض وأن من أجيالنا من سيسفك الدماء ويستحل ذلك ويستبيحه في قولهم “قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء”؟ أما فيما يتعلق بالعبيد فهم في فئات ومجاميع منهم من جعل من حياته سبيلا لمرضاة الله في عبادته، ومنهم من وضع الدنيا نصب عينيه في متاعها: “اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم”. وبالتالي فمنا من يرى في الحياة الدنيا هذه الأهداف الأربعة له نبراسا ولتحقيقها يكرس جهوده ويشحذ همته “منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة” فمن مجموعة مريدي الدنيا فئة تتخذها لعبا ولهوا “وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب”، “ما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو”، وفئة تتخذها مجالا للتفاخر بالأولاد والتكاثر في الأموال “وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد”، “الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر”. وكل منا مطلق حريته في اختيار مجالات تفريغ قدراته، وتوزيع طاقاته لاستنفاد حياته فأما أن يلجأ إلى مرضاة الله – بعبادته – أو يبحث عن متاع الدنيا في اللهو أو اللعب أو التفاخر بالأولاد أو التكاثر بالأموال، وخيرنا من يجمع بين هذا وذاك تطبيقا لقوله تعالى “واتبع فيما اتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا”.