أجرى الحوار مهدي عبد الستار
أوضح رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية د. خالد المذكور ان تجديد التوبة مع الله ومراجعة النفس والبعد عن اللهو الذي يؤدي إلى المحرمات كمشاهدة بعض البرامج الإعلامية المخلة واجتناب الغيبة والنميمة في الدواوين من أبرز صور تهيئة النفوس لاستقبال شهر رمضان الكريم مشيرا ان الصوم رياضة روحية تعمل على ضبط السلوك الإنساني وكبح جماح الغرائز البشرية.
وقال د. المذكور في حواره مع “الأنباء” حول سبل الاستعداد لرمضان وفضائله التي تميز بها عن سائر الشهور: ان هذا الشهر جمع الله فيه كل خصال الخير واشتمل بعباداته وطاعاته على سائر اركان الإسلام الحنيف من الذكر والشهادة والصلاة والزكاة والحج الذي تعدله عمرة في هذا الشهر.
وأضاف د. المذكور: كما ان هذا الشهر تتوحد فيه اهداف المسلمين ويشعرون فيه بالوحدة والترابط فهم في نهارهم جميعا صيام وفي ليلهم قيام وهذه غاية نبيلة تساهم في وحدة المسلمين وبين د. المذكور ان صيام هذا الشهر ايمانا واحتسابا يكفر الله به ذنوب السنة الماضية، موضحا ان الصيام كان في أول ما فرض الصيام يوم عاشوراء ثم كان فرض صيام رمضان الذي صلى فيه الرسول r صلاة التراويح ثماني ركعات وزادها امير المؤمنين عمر بن الخطاب فصليت في عهده عشرين ركعة.
وحذر د. المذكور من تقديم الصائم الطعام لمفطر دون عذر، وقال: هذا عمل لا يجوز، فيما بين ان الحائض والنفساء لا يحق لهما تناول الطعام والشراب امام ابنائهما وانما يكون ذلك مواراة او خفية وبعيدا عن اعين الناس، كما ان الجنب صيامه صحيح وعليه الاغتسال لأداء الصلوات المفروضة ويجوز لربة البيت تذوق الطعام وعدم بلعه، وأضاف: كذلك لا حرج في وضع القطرة أو اخذ حقن العضل أو الوريد واستخدام موانع الحمل لتأخير الدورة الشهرية في شهر رمضان إلى جانب قضايا أخرى تتعلق بالصوم تناولها د. خالد المذكور.
وفيما يلي التفاصيل:
في البداية نود التعرف من فضيلتكم على سمات هذا الشهر الفضيل وخصائصها؟
لقد جمع الله في هذا الشهر كل خصال الخير واشتمل على كل اركان الإسلام فبجانب الصلوات الخمس زيدت عليها صلاة التراويح وصلاة القيام وخص هذا الشهر بقراءة القرآن والتنافس في ختمه بين المسلمين، فضلا عن سائر الأيام، وهذا من الذكر والطاعة التي من جنس الشهادة، واضافة إلى أنه شهر الصوم وهذا هو الركن الرابع في الإسلام، وفرضت فيه الزكاة “زكاة الفطر: وهي الركن الثالث ثم بين الرسول صلى الله عليه وسلم ان العمرة في هذا الشهر تعدل حجة وبهذا قد اجتمعت كل اركان الدين فيه هذا بخلاف انه شرف بنزول القرآن وفيه ليلة تعدل في عبادتها عبادة الف شهر أي بما يزيد على ثلاثة وثمانين عاما، وهو الشهر الذي يتفضل الله فيه على عباده فتوصد أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان وتصفد فيه مردة الشياطين والجن ويزداد فيه رزق المؤمن ويتضاعف فيه الاجر والثواب، وعموما فشهر رمضان شهر الخير وكله نفحات خير.
فوائد الصيام
الصوم هو امتناع عن الطعام والشراب والشهوات وينظر إليه البعض على انه حرمان منها، فما الفوائد المرجوة من الصيام؟
الصوم وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه جنة وهو وقاية للعبد من كل الشرور وأولى ثمراته المرجوة هي التقوى كما في قوله تعالى “لعلكم تتقون” فيعمد هذا الصيام إلى ضبط السلوك الإنساني بصورة معتدلة ويكبح جماح النفس البشرية فيهذبها ويزكيها هذا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة، فهو يشيع المحبة بين المؤمنين ويؤلف بين قلوبهم وتسير أهدافهم في اطار واحد فتراهم في يومهم صياما لله وفي ليلهم قياما، وكل ذلك في توحيد لم تعرف له البشرية مثيلا فيشعر المسلم في أي مكان بأنه متفق مع أخيه المسلم فتلتقي قلوبهم وارواحهم في طاعة لله واحدة بالإضافة إلى المنافع الصحية التي يجنبها المسلم بسبب صومه في بدنه وعافيته وصفاء ذهنه وقوة فكره وتجدد ايمانه.
وهل هناك استعدادات معينة يجب على المسلم الأخذ بها مع بداية هذا الشهر الكريم؟
من جملة الاستعدادات التي ينبغي على المسلم الأخذ بها مع بداية هذا الشهر العظيم تجديد التوبة مع الله عز وجل والبعد عما حرم الله واجتناب المحرمات والاجتهاد في اعمال البر والخيرات وكثرة الطاعات والتواصل مع المسلمين والتزاور واطعام الطعام وغير ذلك من فضائل الاعمال في هذا الشهر، واخذ خصائصه على انها عبادات وليست عادات.. عبادات تفتح القلوب إلى الله عز وجل والارتواء بري الايمان من شقاء الدنيا وابتلاءاتها إضافة إلى الابتعاد عن العادات السيئة التي يتخذها البعض كتضييع الأوقات في السهر في الدواوين والغيبة والنميمة والالتهاء بالحشو الإعلامي الذي يكرس الكثير من البرامج التي تنشر النظر المحرم واتلاف الصيام بهذه الأخطاء التي تشيع بين الكثير من الناس فتحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، وعليه يجب ان تكون هناك مراجعة شاملة للنفس وتصحيح العمل وتدريب النفس على الطاعات حتى تستقيم في باقي شهور السنة.
موائد رمضان
البعض يعتبر كثرة الموائد في رمضان مخالفا لروح الشهر فهل هذا صحيح؟
ان التوسيع على اهل البيت في هذا الشهر من غير اسراف ولا اسفاف لا بأس به ان صاحب ذلك نية لتفطير بعض الصائمين ابتغاء الاجر والمثوبة من الله تعالى حتى تعم البركة والفضل كل ارجاء المجتمع.
فضيلة الشيخ دعنا ننتقل لبعض الأمور التي يسأل عنها الكثير من عامة المسلمين حول فقه الصيام، فقد قال الله تعالى في آية الصوم “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم”.
فكيف كان الصوم قبل فرض رمضان؟
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء في مكة فلما قدم المدينة أخذ يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ووجد اليهود في المدينة يصومونه فسألهم عن سبب صيامهم له فقالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى من الغرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “انا احق بموسى منكم” فصامه وامر بصيامه، وعندما نزل الامر بصيام رمضان بقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” اصبح صيام يوم عاشوراء مستحبا، واصبح صيام شهر رمضان فرضا وواجبا.
مغفرة الذنوب
هل صحيح ان شهر رمضان يكفر ويمحو الذنوب السابقة، وهل صحيح انه من الأفضل ان يخرج المرء زكاة ماله في رمضان؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
وفي هذا الحديث تصريح بأن شهر رمضان يمحو الذنوب السابقة، ولكن بشرطين:
الأول: ان يصومه مصدقا به بنية خالصة امتثالا لأمر الله تعالى.
الثاني: ان يصومه محتسبا أي طالبا للثواب غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه ولا كاره لما يصيبه من اذى الجوع والعطش بل يحتسب النصب والتعب في طول أيامه ولا يتمنى سرعة انقضائه.
والحديث شامل لكل ذنب لكن خصه جمهور الفقهاء بالصغائر دون الكبائر.
وإذا اخرج المرء زكاة ماله في رمضان يكون قد جمع بين العبادة البدنية والعبادة المالية حيث ان من صفات النبي صلى الله عليه وسلم انه من اجود الناس لقلة تعلقه بالدنيا وايثاره لما عند الله، ويزداد جودا في رمضان مسايرة لكثرة العبادة وزيادة الاجتهاد فيه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود الناس، وكان اجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه بجبريل اجود بالخير من الريح المرسلة”.
حكم صلاة التراويح
توجد بعض المساجد تصلي التراويح بأعداد مختلفة فهل صلاة التراويح في رمضان هي عشرين ركعة أم ثماني ركعات؟
الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يصلي في الليل ولا يزيد في رمضان ولا غيره عن احدى عشرة ركعة يعني ثماني ركعات ثم ركعتا الشفع وركعة الوتر وكان المسلمون في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة.
صلاة التراويح في رمضان مناجاة لله سبحانه وتعالى وهي من اعمال الخير غير الواجبة، وليس هناك ما يمنع من صلاتها عشرين ركعة او اقل، ولكن إذا كانت على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون أفضل وأحسن، والمقصود فيها التزود بطاعة الله وتدبر القرآن في شهر القرآن والطمأنينة في الركوع والسجود والتفكر اثناء الصلاة بنعم الله والاقبال عليه، فإذا تحققت هذه المعاني وهذه المقاصد تكون الصلاة قد أدت دورها وفهم مقصودها.
مع بداية الصوم يقع البعض في الاكل أو الشرب خطا وهناك قول للرسول صلى الله عليه وسلم “إذا نسي الصائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما اطعمه الله وسقاه” فما معنى ذلك؟
معنى هذا الحديث ان الصائم إذا اكل أو شرب ناسيا فصيامه صحيح ولا يجب عليه القضاء وبهذا قال جمهور العلماء ان من أكل او شرب ناسيا فليتم صومه ولا قضاء عليه.
يصوم ويغتسل
إذا أصبح الصائم جنبا – يعني استيقظ من النوم وهو جنب – فهل صيامه صحيح، حتى ولو ظل طوال اليوم بدون غسل؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصائم إذا أصبح جنبا يكون صومه صحيحا، واستدلوا بقوله تعالى: “احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم” والآية الكريمة تقتضي اباحة الوطء ليلة الصيام إلى وقت طلوع الفجر وذلك يقتضي بالضرورة ان يصبح جنبا، واستدلوا كذلك بحديث عائشة وام سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من غير أحلام ثم يصوم في رمضان.
اما ان يظل طوال اليوم بدون غسل فكيف يصلي، والصائم ينبغي عليه ان يصلي لأنه لو سال نفسه لماذا صام فيقول استجابة لأمر الله تعالى، طيب وكذلك الصلاة انما تؤدى استجابة لأمر الله تعالى فكيف تفرق بين الامرين هذه بدهية عقلية يعرفها حتى الطفل الصغير.
أحكام شرعية
توجد بعض الأمور التي تستشكل على البعض مثل دخول الماء في الجوف من المضمضة، او خلع السن، او القيء او السباحة في الماء ووضع القطرة في العين وأخذ الابر نرجو معرفة الاحكام الشرعية فيها؟
بالنسبة لماء المضمضة إذا انزل إلى الجوف بغير قصد فلا يفسد الصوم، ولكن ينبغي عدم المبالغة في المضمضة وكذلك في الاستنشاق خلال الصوم حتى لا يتعرض المسلم إلى بلع ماء المضمضة.
اما عن خلع السن ووضع الدواء في مكان السن فلا يبطل الصوم إذا لم يصل شيء من الدم أو الدواء إلى الجوف، وعن القيء فيكون في حالتين اما ان يغلبه القيء فيخرج من جوفه شيئا متعمدا، فبعض العلماء قال بفساد الصوم والراجح ان من تعمد القيء فعليه القضاء لحديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من ذرعه القيء يعني غلبه فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقضه”.
اما عن الانغماس في الماء والسباحة في حوض السباحة مثلا او في البحر فلا شيء فيه ولا يفسد الصوم مع امن عدم وصول الماء إلى الجوف لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش او من الحر.
كذلك فإن الابرة التي تعطى في الجلد او تعطى في الشريان فليست بمفطرة وذلك لأنها ليست من طريق معتاد إلى الجوف، وكذلك التقطير في العين لا يفطر ولو أحسن بطعم او بأثر القطرة في حلقه.
حالات توجب الغسل
ما الحكم في الجنب “المحتلم” وإذا كان صائما هل صيامه جائز وإذا أدى الصلاة بعدما غسل موضع الجنابة فقط ولم يغسل بدنه كله هل تصح صلاته؟
المحتلم يجب عليه الغسل إذا رأى على ثوبه بللا بعد استيقاظه من نومه، اما إذا لم ير في ثوبه شيئا فلا غسل عليه لما رواه أبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما؟ قال يغتسل، وعن الرجل يرى انه قد احتلم ولا يجد بللا فقال: لا غسل عليه، كما روت ام سلمة في الحديث المتفق عليه “ان ام سليم قالت: يا رسول الله هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال “نعم إذا رأت الماء” كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه صلى الفجر بالمسلمين، ثم خرج إلى الجوف، فرأى في ثوبه احتلاما فقال: ما ارني إلا قد احتلمت فاغتسل وغسل ثوبه وصلى.
مبيحات الفطر
هل هناك امراض توجب الفطر وكيف نعرف ذلك؟
ان الطبيب المسلم الموثق يستشار في طبيعة هذه الامراض فإذا قال بعد الفحص ان الصوم مع هذا المرض مؤذ ويؤدي إلى مضاعفات وينصح بالإفطار فأفطروا واقضوا بعد رمضان.
كما ان هناك امراضا مزمنة لا يرجى منها براء وغالبا ما تكون من امراض الشيخوخة والكهولة ولا يستطيع أصحابها الصوم فهذه على صاحبها الفدية والصوم ساقط عنه والفدية هي اطعام مسكني واحد عن كل يوم من أوسط ما يطعم اهله.
والله وحدة هو الشافعي والمعين على طاعته، ولكن لا يترك الأمر للاجتهاد الشخصي أيصوم أم لا وإنما يرجع في هذا إلى الأطباء المسلمين الثقات.
جريدة الأنباء / أجرى الحوار: مهدي عبد الستار